
[ad_1]
تسمرت عيناي على جانب الطريق، التصق وجهي بزجاج النافذة مباشرة، الحافلة تسير بسرعة متوسطة، الساعة العاشرة صباحًا، كل شيء من حولي متورم، حرارة الشمس لا تتيح لبرودة المكيف أن تحدث أثرها، الرجل الذي بداخلي يتجشأ بينما يدي تتلمس طريقها داخل كيس البقالة نحو تصبيرة الجبنة، أسحبها بسرعة لم يعد لديَّ شهية، أحتضن الكيس وأمعن النظر في الأشياء المسرعة نحو الخلف.
أُنصت لصدى كلمات زوجتي داخل رأسي:
- أريد أن أعرف فائدة واحدة من وجودك بيننا؟ اتعبتني مع تعب الحياة!
أنكمش داخل المقعد، وأنسلخ عما حولي إلى عالم آخر بلا بوابات، تشابكت خطوط عمري الخمسة والستين، وتقاطعت مع تلك الكلمة التي مازالت تحفر الوجع في قيعان روحي منذ الطفولة.
في العاشرة من عمري أوصلني والدي للدكان لأشتري أدوات للنظافة وقبل أن يصل توقفت طويلا وأنا أشاهد صبية يتعاركون، أصابني حجر في رأسي من حيث لا أعلم، أحدث جرحاً كبيراً فيه، فقدت الوعي.
حملوني للمنزل، بعد أن أفقت لم أجد النقود ومنذ ذلك اليوم ووالدي يلقبني «بالخبل».
أكبر وخيباتي تكبر، وتلك الكلمة تكبر كلما أعيدت على مسامعي لفعل ما.
أثور في داخلي، يكبر الوجع وأتعثر في حياتي، لم أتجاوز الثانوية، لا أذكر أنني تجرأت في يوم ما، ووضعت عيني في عين أبي أو أحد من معلمي، وحتى أخوتي الكبار، أراوغ بنظراتي هنا وهناك حتى تنتهي المحادثة وأتنفس الصعداء، ثم أنصرف لشأني، فقط أمي تسمح لصراخي أن يتجاوز مسامعها إلى الأواني والأبواب، تصمت حتى تهدأ عاصفتي ثم تنصرف وهي تدعو لي، في إحدى ثورات غضبي حضر والدي، لم أره وسط عاصفة شتائمي لأمي «آه يا أمي»، صفعني وكاد يطردني من المنزل إلا أنها حالت بينه وبين ما أراد.
جميع إخوتي متفوقون لا يوجد بيننا بنت، خمسة أنا النكرة الوحيدة فيهم، أذكر مرة أنني سرقت مخدة أخي لأنام عليها عدة أيام قبل أن تكتشف فعلتي لكنني لم أصبح ذكيًا ولا هادئا، ومرة ارتديت طاقية وغترة أخي وأنا ذاهب للاختبار، إلا أن حال درجاتي لم يتعدل.
نجحت وساطة والدي لي لأحصل على وظيفة إدارية في الدائرة التي يعمل بها، التصقت بالكرسي عشرون عاما دون حراك لا أطالب بشيء لا أناقش، وكثر البصاق في داخلي.
زوجني والدي من ابنه صديقه «المعلمة» بعد أن لمّع صورتي، جميع ما قاله حقيقي فأنا مطيع وهادئ وبلا أصدقاء، شعرت بالنشوة واشرأب عنقي وهو يقول لوالد العروس ولدي «رجال»، ما لبثت هذه الكلمات أن ارتدت شظايا متناثرة في داخلي وأنا أسمعه يقول لأمي «إن شاء الله يزوجون هالخبل، ونتقي شره، بنتهم طيبة».
تزوجت، مرت الأيام والسنين وأنا لا أفعل شيئا سوى تهزيئها، وكيل الشتائم لها بسبب أو بدون، تتكدس الفراغات في حياتي، وأضعف عندما تثور زوجتي في وجهي وتشكو عدم قدرتها على مواجهة ظروف الحياة بلا سند، تستحث نخوتي، تبحث عن رجولتي التي حصرتها في الذهاب لعملي، وملء البيت بصراخ طفل جديد، وثورات رجل بائس لا يستطيع تحريك نفسه.
في الآونة الأخيرة باتت تهددني بمغادرة المنزل الذي هو ملكها وتتركه لي بعد أن خلا علينا، حتى الآن لا أعلم متى غادر الأبناء وكيف؟.
لم تعد تحتمل نزقي الدائم وكلماتي الجارحة، قبل يومين ذكرتني أن هذه السيارة التي بعتها دون علمها هي السادسة التي ساعدتني في تسديد قيمتها.
تغيرت كثيرًا عليَّ، كانت تصفح عن زلاتي بمجرد اعتذار مبطن عن أي خطأ ارتكبه، حتى عندما خطبت عليها أخرى ثم تراجعت لخوفي أنني لن أجد مثلها سامحتني رغم اتهامي لها بالتقصير.
اليوم وصلتني رسالة من المحكمة طلب خلع، تقاصر مدى الحياة في عيني وحمولة سنين تراكمت على ظهري، حاولت معها، بكيت، لم ترحم انكساري، هل هذا من أجل ان بصقت في وجهها عفن روحي المعتلة، بعد أن عاتبتني على بيع السيارة.
قالت: تعبت منك، أغرب عن وجهي لأعيش الحياة.
أدور منذ الصباح من حافلة إلى حافلة أرقب الناس والشوارع، وتمايز البشر، والأطفال، لم أشعر بطفولة أبنائي ولا مراهقتهم ولا…. كنت منشغلا بإثبات رجولتي الضائعة، فعلا لم أكن.
في المساء أقف على عتبة المنزل، اليوم الجمعة أصوات الأحفاد في الحديقة، نعم اليوم اجتماعهم، والآن وقت العشاء، ترى من يجلس في مقعدي الآن؟ تراءت لي الوجوه، فتحت الباب استجمعت بقايا شجاعة مسن منهك.
تحلق الجميع حول المائدة، كان مقعدي خاليا، الوجوه مبتسمة، كنت أبحث عن وجهها، رفعت رأسها نحوي على صوت شهقات الأبناء ونظرت نحوهم: «قلت لكم سيعود».

[ad_2]
Source link